الوزير وسائس الخليل
يحكى أن أحد الوزراء ضجر ذات ليلة، وأحسّ بالأرق، ولم يجد من يؤانسه، أو
يسلّيه، فأرسل وراء سائس الخيل في القصر، فلما مثل بين يديه، دعاه إلى
ملاعبته في الشطرنج كي يتسلّى. فدهش سائس الخيل، كيف يدعوه الوزير إلى
ملاعبته؟ واضطر إلى النزول عند رغبته.
وكان سائس الخيل في حالة من القلق والاضطراب، وهو بين يدي الوزير، لا يعرف
كيف يلاعبه، وكان ينظر في البيادق، ويفكر، ويتأمل، ويطيل التفكير، وإذا
الوزير يقول له:
- تفضل باللعب يا مولاي.
فذهل السائس، واعتذر إلى الوزير، ثم حرك أحد بيادقه، ومرة أخرى عاد إلى التأمل، وطول التفكير، وإذا الوزير يقول له ثانية:
- تفضل باللعب يا مولاي
فخجل السائس، واعتذر إلى الوزير، وذكَّره بأنه محض سائس للخيل في القصر، ورجاه أن يناديه باسمه، فأجابه الوزير:
- لقد تعوّدت على مثل ذلك الخطاب، وأنا ألاعب الملك، وأخشى أن أتعوّد على خطاب آخر، فيزلّ لساني إذا ما لاعبت الملك.
المال الحلال
كان أحد الرجال يعمل في صناعة السروج، وكلما باع سرجاً خبأ جزءاً من ثمنه
في سرج عتيق كان يضعه بجواره، وهو يريد أن يدّخر من المال ما يعينه على
شيخوخته.
وذات يوم ترك المحل لولده، وذهب لشراء بعض الحاجات، وفي غيابه جاء رجل وسأل
الولد عن أسعار السروج، ثم عرض عليه أن يشتري منه السرج العتيق، بسعر لا
يقل عن السرج الجديد إلا بقدر قليل.
ورجع الرجل إلى المحل، فأخبره الولد ببيعه السرج العتيق، وناوله ثمنه وهو فرح، فجن جنون الرجل، لأنه كان قد خبأ فيه تعب عمره.
وأخذ السرّاج يصنع السروج كعادته، وكلما غرز في السرج غرزة كان يقول:
(ماراح راح، ماراح راح، ماراح راح)، والناس يمرّون به، ويسمعونه وهو يكرر
ذلك، ولا يعرفون قصده.
ومرت السنون والأعوام، وإذا رجل على حصان مطهم، يقف أمامه، ويطلب سرجاً من
أجود الأنواع، فأعطاه السراج أفضل ما عنده، فمنحه الرجل ثمنه، ثم رفع عن
ظهر جواده سرجاً قديماً وهو يقول:
منذ بضع سنين اشتريت من محلك هذا السرج العتيق، واليوم، وقد رزقني الله ثمن سرج جديد، فإني أترك لك هذا السرج العتيق.
ثم ناوله إياه، ومضى في حال سبيله، ونظر السراح إلى السرج العتيق، وإذا هو
السرج نفسه الذي كان يخبئ فيه النقود، وأسرع إلى فتق جانبه، فرأى النقود
فيه على ما كانت عليه، فسرّ بذلك أبلغ السرور، وأخذ كلما غرز في السرج غرزة
يقول: (ما هو لك لك، ما هو لك لك).
والناس يمرّون به، ولا يعرفون القصد مما يقول.
كل يد فوقها يد أقوى
قدم أحد القرويين إلى المدينة، وهو يجر وراءه فرسه، وقصد إلى دكان حداد،
وطلب منه حدوة لحصانه، فقدم له الحداد حدوة، أخذها الفلاح، تأمّلها قليلاً،
ثم ثناها بيده، وطلب غيرها، وقدم له الحداد حدوة ثانية، ففعل بها مثلما
فعل بالأولى، وقدم له ثالثة، فثناها أيضاً، وعندئذ انتقى الحداد حدوة
غليظة، وناوله إياها، فحاول القروي ثنيها فلم ينجح، وعندئذ نالت رضاه.
ثم إن القروي ناول الحداد قطعة نقد معدنية ثمن الحدوة، فتناولها منه
الحداد، وفركها بإصبعيه، فمحا رسومها، ثم أعادها إليه قائلاً: (نقودك هذه
لا تصلح)، وناوله القروي قطعة نقد أخرى، ففعل بها الحداد مثل الأولى، وهكذا
فعل ببضع قطع أخرى حتى شفى غليله منه، ثم قال: (كل يد فوقها يد أقوى).
درس في الظلم
كان لأحد الملوك ولد وحيد، وكان يتعهده بحسن التربية، ويعدّه ليرث الملك من
بعده، وكان يجلب له دائماً كبار الأساتذة والمربين، ويوصيهم أن يحسنوا
تعليمه وتربيته، وألا يترددوا في عقوبته إذا قصّر أو أخطأ.
وكان الولد ذكياً، وذات يوم، وبينما هو أمام أستاذه، يصغي إليه، ويحسن
الإصغاء، وإذا بالأستاذ يضربه بعصا كانت في يده، من دون ذنب، فدهش الولد،
واستاء كثيراً، ولكنه كظم غيظه، ولم يظهر استياءه، كما لم يخبر والده
بالأمر.
ومرت الأيام، تلتها السنون والأعوام، وتوفي الملك، وورث من بعده العرش ولده، وأصبح ملكاً، يسوس البلاد والعباد.
وذات يوم ذكر أستاذه، فأرسل في طلبه، ولما مثل بين يديه، ذكّره يوم ضربه من
غير ذنب اقترفه، وسأله عن سرّ ذلك؟ فأجابه الأستاذ: (لقد ضربتك ظالماً،
حتى تعرف معنى الظلم، فلا تظلم أحداً).